Rabu, 20 April 2016

معركة الحجاب



معركة الحجاب
نريد للصحوة الإسلامية المعاصرة أمرين : أولهما البعد عن الأخطاء التي انحرفت بالأمة و أذهبت ريحها وأطمعت فيها عدوها والآخر إعطاء صورة عملية للإسلام تعجب الرائين، وتمحو الشبهات القديمة وتنصف الوحي الإلهي. ويؤسفني أن بعض المنسوبين إلى هذه الصحوة فشل في تحقيق الأمرين جميعا، بل ربما نجح في إخافة الناس من الإسلام، ومكّن خصومة من بسط ألسنتهم فيه. ولنستعرض هنا طائفة من المعارك التي أثاروها، أو المبادئ التي رأوا أن ينطلقوا منها. ونبدأ بمعركة النقاب.
قرأت كتيبا يقول فيه مؤلفه : إن الإسلام حرم الزنا ! وإن كشف الوجه ذريعة إليه، فهو حرام لما ينشأ عنه من عصيان! قلت إن الإسلام أوجب كشف الوجه في الحج و ألفه في الصلوات كلها، أفكان بهذا الكشف في ركنين من أركانه يثير الغرائز و يمهد للجريمة؟ ما أضل هذا الإستدلال! وقد رأى النبي – صلى الله عليه و سلم- الوجوه سافرة في المواسم والمساجد والأسواق فما روى عنه قط أنه أمر بتغطيتها، فهل أنتم أغير على الدين والشرف من الله ورسوله؟ ولننظر إلى كتاب الله ورسوله لنستجلى أطراف الموضوع.
1.   إذا كانت الوجوه مغطاة فممّ يغض المؤمنون أبصارهم؟ كما في الآية الشريفة "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم ..." (النور: 30). أيغضونها عن القفا و الظهر؟.. الغض يكون عند مطالعة الوجوه بداهة، وربما رأى الرجل ما يستحسنه من المرأة فعليه ألّا يعاود النظر عندئذ كما جاء في الحديث، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لعلى رضي الله عنه : يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة .
2.   وحدثت عائشة قالت : كانت نساء مؤمنات يشهدن مع النبي صلاة الفجرن متلحفات بمروطهن – مستورات الأجساد بما يشبه الملاءة- ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة ، لايعرفن من الغلس تعني أنه لولا غبش الفجر لعرفن لانكشاف وجوههن
3.   على أن قوله تعالى : "وليضربن بخمرهن على جيوبهن" (النور:31) يحتاج إلى تأمل، إذ لو كان المراد إسدال الخمار على الوجه لقال: ليضربن بخمرهن على وجوههن، مادامت تغطية الوجه هي شعار المجتمع الإسلامي، ومادامت للنقاب هذه المنزلة الهائلة التي تنسب إليه. وعند التطبيق العملي لهذا الفهم اضطرت النساء لاصطناع البراقع أو حجب أخرى على النصف الأدنى للوجه كي يستطعن السير، فإن اسدال الخمار من فوق يعشى العيون، ويعسر الرؤية، ومن ثم فنحن نرى الآية لا نص فيها على تغطية الوجوه. ولاشك أن بعض النساء في الجاهلية، وعلى عهد الإسلام كن يغطين أحيانا وجوههن مع بقاء العيون دون غطاء، وهذا العمل كان من العادات لا من العبادات، فلا عبادة إلا بالنص.
4.   وأدل على ذلك السفور المباح: ما رواه لنا مسلم أن سبيعة بنت الحارث ترملت من زوجها وكانت حاملا، فما لبثت أياما حتى وضعت، فأصلحت نفسها، وتجملت للخطاب! فدخل أبو السنابل أحد الصحابة وقال لها: مالي أراك متجملة؟ لعلك تريدين الزواج، إنك والله ما تتزوجين إلا بعد أربعة أشهر وعشرة أيام، قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- سألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزويج إن بدا لي.
كانت المرأة مكحولة العين مخضوبة الكف، وأبو السنابل ليس من محارمها الذين يطلعون بحكم القرابة على زينتها، والملابسات كلها تشير إلى بيئة يشيع فيها السفور. وقد وقع ذلك بعد حجة الوداع، فلا مكان لنسخ حكم أو إلغاء تشريع، وأعرف أن هناك من ينكر كل ما قلناه هنا، وبعض المتحدثين في الإسلام أشد تطيرا من ابن الرومي، وهم ينظرون إلى فضائل الدنيا والآخرة من خلال مضاعفة الحجب والعوائق على الغريزة الجنسية. ويعلم الله إني مع إعتدادي برأيي أكره الخلافات والشذوذ وأجب السير مع الجماعة، وأنزل عن وجهة نظري التي أقتنع بها بغية الإبقاء على وحدة الأمة.
فهل ما قلته رأى انفردت به؟ كلا كلا إنه رأى الفقهاء الأربعة الكبار، ورأى أئمة التفسير البارزين، إن الشاغبين على سفور الوجه يظاهرون رأيا مرجوحا ويتصرفون في قضايا المرأة كلها على نحو يهز الكيان الروحي والثقافي والاجتماعي لأمة أكلها الجهل والاعوجاج لما حكمت على المرأة الأدبي والعلمي. إن من علماء المذاهب الأربعة من يرى أن وجه المرأة ليس بعورةن وأثبت هنا نقولا عن كبار المفسرين من أتباع هذه المذاهب: قال أبو بكر الجصاص وهو حنفي في تفسير قوله تعالى : "وقل للمومنات يغضضن من أبصارهن و يحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها..." (النور:31) فالمراد : الوجه و الكفان، لأن الكحل زينة الوجه، والخضاب والخاتم زينة الكف. فإذا ابيح النظر إلى زينة الوجه والكف فقد اقتضى ذلك لا محالة إباحة النظر إلى الوجه والكفين. ويقول القرطبي وهو مالكي : لما كان الغالب من الوجه والكفين طهورهما عادة وعبادة وذلك في الصلاة والحج فيصلح أن يكون الإستثاء راجعا إليهما. ويقول الخازن وهو شافعي مفسرا الإستثاء في الآية، قال سعيد جبير والضحاك والأوزاعي : الوجه والكفان. ويقول ابن كثير وهو سلفي ويحتمل أن ابن عباس ومن تابعه أرادوا تفسير ما ظهر منها بالوجه والكفين، وهذا هو المشهور عند الجمهور. وقال ابن قدامة في "المغنى" وهو مرجع حنبلي : المرأة كلها عورة إلا الوجه، وفي الكفين روايتان.
ونختم برأي ابن جرير الطبري في تفسيره الكبير " أولى القول في ذلك بالصواب من قال – في الإستثناء المذكور عن زينة المرأة المباحة – عنى بذلك الوجه والكفين، ويدخل الكحل والخاتم والسوار والخضاب. وإنما قلنا ذلك أقوى الأقوال، لأن الإجماع على أن كل مصل يستر عورته في الصلاة وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في الصلاة، وأن تستر ماعدا ذلك من بدنها، وما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره. وأما المذهب الحنفي فيضم ظهور القدمين إلى الوجه و الكفين منعا للحرج.
وبعد هذا السرد نسارع إلى التنبيه بأن المجتمع الإسلامي بما شرع الله له من آداب اللباس والسلوك العام هو شيء آخر غير المجتمع الأوربي- بشقيه الصلبيي والشيوعي- فإن هذا المجتمع أدنى إلى الفكر المادى البحت وأقرب إلى الإباحة الحيوانية المسعورة. إن الملابس هناك تفصل للإثارة لا للستر، والتزين للشارع لا للبيت والاختلاط لا يعرف التصون أو تقوى الله، والخلوة ميسورة لمن شاء، والقانون لا يرى الزنا جريمة مادام بالتراضى. وتكاد الأسر تكون حبرا على ورق. إن الإسلام شيء آخر مغاير كل المغايرة لهذا الاتجاه الطائش الكفور فهل أحسنّا نحن بناء المجتمع القائم على حدود الله؟

Tidak ada komentar:

Posting Komentar